القائمة الرئيسية

الصفحات

الاختصاص النوعي و الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة

 الاختصاص النوعي و الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة 

✅مداخلة حول الاختصاص النوعي و الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة 

✍️ بقلم الاستاذ مسعودي عبد العزيز 

- محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة -

مداخلـة حـول الإنتصاص النوعي والإقليمـي للمحاكم التجارية المتنصـصـة.



مقدمـة


مما لا شك فيه أن الإستثمار هو أحد أهم أوجه التنمية دول العالم، فالقانون والإقتصاد كلاهما مرأة للآخر، وكل منهما يكمل الآخر. ولذا الغرض تحاول الدولة وضع قواعد وتشريعات تتيح للمستثمر الدخول للدولة والإستثمار فيها. كما أن القانون هو الذي يحدد حقوق وإلتزامات الأطراف سواء الدولة بإعتبارها المسيطرة وصاحبة الحق في التشريع أو المستثمر، والذي يساعد تواجده على تحقيق التنمية الإقتصادية في الدولة.


فالتنمية الإقتصادية المنشودة تستلزم تشجيع الإستثمار وتحرير التجارة وجذب رؤوس الأموال، ويعد القضاء أحد أهم العوامل التي تساهم في توفير ذلك المناخ إذ بما تحسم المنازعات التي قد تنشأ عن ممارسة الأنشطة الإقتصادية. وهو ما يصطلح فقهاء القانون على تسميته بالأمن القانوني. فالعمل القضائي يعد من بين أهم ركائز التنمية الإقتصادية في أية دولة. كما أن عنصري الأمن والإستقرار يعدان من العناصر الرئيسية لجذب الإستثمارات. كما أنه من العناصر الفاعلة في دعم الإقتصاد الوطني وتفعيله وضرورة وجود جهاز قضائي يشتمل على عناصر قضائية تتمتع بالقدرة على الفهم والتعامل مع كافة أنواع القضايا الإقتصادية وسرعة البت والفصل فيها دون بطء أو تراخ، لما يترتب عن التأخير في حسم تلك المنازعات من آثار سلبية على الإقتصاد الوطني. وأنه ولذلك، فقد أصبحت الحاجة أكثر إلحاحا في إنشاء محاكم تجارية متخصصة كأحد شعب القضاء العادي حتى للإستثمار قانون ومحاكم متخصصة بنظر المنازعات المتعلقة به، ويكون ثقة في نفوس المستثمرين.


يكون وأنه وفي هذا الإطار فقد صدر القانون رقم 13/22 المعدل والمتمم للقانون رقم 09/08 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وإستحدث محاكم تجارية متخصصة بالموازاة مع الأقسام التجارية الموجودة عبر المحاكم العادية. وتجدر الإشارة في هذ المجال إلى أن المشرع وبموجب أحكام القانون رقم 07/22، المؤرخ في: 05 ماي 2022، المتضمن التقسيم القضائي قد نص من خلال المادة 06 منه على أنه " تحدث بدائرة إختصاص بعض المجالس القضائية محاكم تجارية متخصصة ويتم تحديدها عن طريق التنظيم". كما تم تأكيدها بموجب أحكام المادة 28 من القانون العضوي رقم 10/22، المؤرخ في: 09 جوان 2022، المتضمن التنظيم القضائي بنصها على أنه " يمكن أن يضم المجلس القضائي محاكم متخصصة تفصل في المنازعات ذات الطابع التجاري والعمالي والعقاري". 

وأنه وبناء على ذلك، فإن دراستنا ستندرج في إطار تحديد الإختصاص النوعي والإختصاص الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة وكذا الإشكاليات التي تثيرها هذه المسألة، وذلك على النحو التالي: 

أولا، الإقتصاص النوعي للمحاكم التجارية المتخصصة


لقد نصت المادة 536 مكرر من القانون 13/22، المؤرخ في: 12جويلية 2022 المعدل والمتمم للقانون رقم 09/08 المؤرخ في: 25 فيفري 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه تختص المحاكم التجارية المتخصصة بالفصل في


المنازعات التالية:

- منازعات الملكية الفكرية .


- منازعات الشركات التجارية، لا سيما منازعات الشركاء وحل وتصفية الشركات .


- التسوية القضائية والإفلاس.


- منازعات البنوك والمؤسسات المالية مع التجار .


- المنازعات البحرية والنقل الجوي ومنازعات التأمينات المتعلقة بالنشاط التجاري.

 - المنازعات المتعلقة التجارة الدولية.


وبذلك، فإن ما يستخلص من هذا النص، أن المشرع قد أخرج العديد من المنازعات التجارية التي كانت من إختصاص القسم التجاري، ليجعلها من إختصاص المحكمة التجارية المتخصصة، والتي كانت غاية المشرع من إنشائها معالجة دعاوى تجارية محددة، ذات الأهمية، والتي يحتاج الفصل فيها إلى قضاة متخصصين وجهات قضائية متخصصة بالنظر للتعقديدات المتصلة بها، والتي تتصاعد بشكل دوري نتيجة للتطور السريع للأنشطة التجارية وسبل ممارستها. ليبقى القسم التجاري على مستوى المحكمة مختصا فقط بالنظر في المنازعات المرتبطة بممارسة الأعمال التجارية البسيطة، والتي تنطوي على إكتساب الشخص لصفة التاجر، مما يسمح بالتفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني، والتي ترفع طبقا لقواعد الإختصاص الإقليمي المنصوص عليها بموجب قانون الإجراءات المدنية والإدارية. كما أنه يجدر التنويه هنا إلى أنه وبمفهوم المخالفة، فإن الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية وتلك المرتبطة بالأعمال التجارية والدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية تبقى من إختصاص القسم التجاري. وهو ما يطرح التساؤل على المعيار الذي إتبعه المشرع في الفصل أو التفرقة بين الإختصاص النوعي للأقسام التجارية على مستوى المحاكم والإختصاص النوعي للمحاكم التجارية المتخصصة فالشركات التجارية التي منح الإختصاص النوعي للفصل في المنازعات الخاصة بها للمحاكم التجارية المتخصصة تتعامل بالأوراق التجارية أيضا، كما أنها تبرم عقودا تجارية قد تنشأ عنها عدة إشكاليات ومنازعات ذات أهمية، من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الإختصاص النوعي للمحاكم التجارية المتخصصة وكذا الأقسام التجارية على مستوى المحاكم يصبح بهذا الشكل من النظام العام، وأنه يكون التمسك به من قبل الأطراف أو تكون إثارته من قبل القضاء. بمعنى أنه إذا عرض نزاع هو في الأصل من إختصاص المحاكم التجارية المتخصصة على مستوى القسم التجاري للمحكمة، يتمسك الأطراف بمسألة عدم الإختصاص النوعي أو يكون للقاضي تلقاء نفسه. إثارتها من وهي المسألة التي يجب أن يأخذها المشرع الجزائري بعين الإعتبار بخصوص مشروع تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي هو قيد الدراسة.

 ثانيا: الإنتصـاص الإقليمي للمحاكـم التجـاريـة.


لقد تولى المشرع تحديد الإختصاص الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة بموجب أحكام المادة 536 مكرر 01 من القانون 13/22، وذلك بنصها على أنه " تطبق على المحكمة التجارية المتخصصة أحكام الإختصاص الإقليمي المنصوص عليها في القانون ". وهو ما يفيد تطبيق أحكام المواد من 37 إلى المادة 47 من القانون 09/08 المتعلق بالإجراءات المدنية والإدارية. ومن ثم فإنه وإعمالا للقواعد العامة، فإن الإختصاص الإقليمي لهذه المحاكم يتحدد بموطن المدعى عليه أو آخر موطن له أو موطنه المختار. أما في حالة تعدد المدعى عليهم فيتحدد الإختصاص الإقليمي بموطن أحدهم، وفقا لمقتضيات المادة 39 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

وأنه وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن المشرع وبموجب أحكام المرسوم التنفيذي رقم 23/ 53، المؤرخ في: 14 جانفي 2023 قد حدد دوائر الإختصاص الإقليمي للمحاكم التجارية المتخصصة، مشيرا من خلال أحكام المادة الثانية (02) منه إلى أن عدد المحاكم التجارية المتخصصة يقدر بإثنتي عشرة (12) محكمة عبر التراب الوطني ، وذلك حسب الجدول التالي :

كما نص بموجب أحكام المادة الثالثة (03) من ذات المرسوم التنفيذي على أنه تزود المحاكم التجارية المتخصصة للجزائر ووهران وقسنطينة بمقرات خاصة. وتنعقد كل محكمة من المحاكم التجارية المتخصصة الأخرى بالمحكمة المحددة بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام التابعة للمجلس القضائي الذي تقع في دائرة إختصاصه المحكمة التجارية المتخصصة.


وأنه وفي هذا الصدد يبقى يطرح التساؤل حول سبب تخصيص مقرات خاصة للمحاكم التجارية المتخصصة لكل من الجزائر قسنطينة ووهران دون بقية المحاكم الأخرى على الرغم من أهمية الدور المنطوط بهذه المحاكم وكذا حجم المنازعات التي ستعرض عليها الأمر الذي يتطلب تخصيص مقرات خاصة لكل واحدة منها مع تزويدها بكافة الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لأداء مهامها وعلى أكمل وجه.


وربما أن التفسير لما نحى إليه المشرع من هذا الجانب هو حداثة إنشاء هذا النوع من المحاكم المتخصصة وما يتطلبه من ميزانية معتبرة لإنشائها وتسييرها بالنظر للظروف والمعطيات الإقتصادية التي تعرفعا الدولة حاليا. ولذلك نتمنى أن تعمم مسألة تخصيص مقرات خاصة لكل المحاكم التجارية المتخصصة مع تزويدها بكل الإمكانات المادية والبشرية اللازمة بغية تمكينها من أداء مهامها على أكمل وجه

خاتمة 

إن المحاكم التجارية المتخصصة تعد تجسيدا لفكرة القاضي الطبيعي الذي بعد عنصرا جوهريا من عناصر حق التقاضي بوصفه حق لكل شخص في الإلتجاء إلى قاضي الطبيعي، بإعتبار ما يحققه ذلك من تفعيل لمبدأ المساواة أمام القضاء. فالمحاكم التجارية المتختصة تجسد فكرة القضاء المختص أو بالأخرى المتخصص المشتق من القضاء العادي، وذات ولاية محددة في النظر في نوع معين من الدعاوى المحددة بصريح النص الذي يضبط صلاحياتها، وذلك ضمانا لسرعة الفصل في المنازعات وبشكل ، وسليم وبناء على إجراءات مبسطة وسهلة، وذلك ضمانا لتحقيق عدالة أكثر سرعة وأقل تكلفة.


تعليقات

التنقل السريع